التعميم ضد الرجال- خطاب الكراهية المقنّع بالسخرية أم وعي زائف؟

المؤلف: نجيب يماني08.23.2025
التعميم ضد الرجال- خطاب الكراهية المقنّع بالسخرية أم وعي زائف؟

بصوتٍ شديد الثقة، وبأسلوبٍ يتناغم مع شخصيتها القوية والجريئة، خطّت كلماتها على صفحتها الإلكترونية، لتعلن رأيها الصريح والقاطع في الرجال قاطبة، دون استثناء أحد منهم. تأملتُ كلماتها ملياً، وقرأت ما سطرته بتأنٍ وروية، بغية تقديم رد مُقنع ومفحم، فإقناع امرأة ترى نفسها على صواب دائمًا ليس بالأمر الهين. في رحاب العلاقات الإنسانية المتشابكة، تتلاقى التجارب المتنوعة وتتجسد الشخصيات المختلفة، ومن غير المنطقي اختزال الرجال في قوالب جامدة أو تعميم صفاتهم على كل ذكر يسير على هذه الأرض. لقد تحدثت صاحبة هذا التعميم المجحف بنبرة تهكمية وكلمات حانقة، تحمل في طياتها تحيزًا واضحًا لبني جنسها، ووصفت 13 نمطًا من "الرجال" بطريقة ساخرة ولاذعة، إلا أنها في جوهرها تعكس نظرة قاصرة ومُعممة وظالمة للرجل. تذكر فيها أصنافًا من الرجال، منهم من يحبك كأمه، ومنهم من يتخذك بديلًا لأمه! ومنهم من يتنفس كذبًا وزورًا. ومنهم من لا يصدق أنك منحتَه قلبك، فيبيعه بأبخس الأثمان. ومنهم من يركض وراء النساء وعيناه جوفاء لا تشبع، وفيهم النرجسي المتكبر، وفيهم من يتقمص دور الضحية، وفيهم الكذاب الأشر، وفيهم الرجل الذي يعادي نجاحك ويحسدك عليه. تلك الأوصاف وغيرها تنطوي على نظرة اختزالية مبتسرة وعامة جائرة وظالمة بحق الرجل. لا يمكن لأحد أن ينكر وجود نماذج سلبية ومُؤذية في كل مجتمع، سواء كانوا رجالًا أو نساءً. لكن الخطر الحقيقي ينشأ عندما يتحول النقد البناء من تقويم سلوك فردي إلى جلد جماعي وإهانة للجميع، ومن تحليل الحالات الفردية إلى تصنيف الجنس بأكمله تحت عناوين ساخرة وهجومية. إن التعميم يبقى السلاح الأضعف والأكثر فتكًا، وهو تعميم سافر يجحد وجود الملايين من الرجال الطيبين، الشرفاء، الداعمين، الذين يجلّون المرأة ويحترمونها بكل محبة وتقدير ووعي، ويقدمون لها أسمى آيات الاحترام والتقدير. العلاقات الإنسانية السوية لا تُبنى على اختزال الناس في أنماط مُعدّة مسبقًا، بل تقوم على الحوار الصادق المتبادل، والتفاهم العميق، والتجربة الشخصية الفريدة، والعِشرة الطويلة والمعاملة الحسنة. حين يتم انتقاد الرجل ووصفه بأنه "ابن أمه"، أو بأنه المتسلط أو النرجسي أو الخائن الكذاب أو ذو النظرة الطويلة الذي يعشق المعاكسات ومطاردة النساء.. فأين هو المقابل الأنثوي؟ ألا توجد نساء يعتمدن على أمهاتهن في كل قرار يتخذنه؟ ألا توجد نساء يتحكمن في الشريك بحجة الغيرة أو الحب المزعوم؟ هل الخيانة حكر على الرجل وحده وترفضها الأنثى بشكل قاطع؟ أليست الأنثى تستخدم كل أسلحة حواء الفتاكة حتى توقع الرجل في شباكها، ثم تربطه بحبل وثيق ليدور في فلكها، ثم تمارس عليه شتى صنوف السادية؟ وهل النرجسية أو الأنانية صفات حصرية للرجال فقط؟ بالطبع لا، فهذه مجرد سمات إنسانية بحتة، لا يحتكرها جنس دون الآخر. والعدل يقتضي تقسيم المسؤولية بإنصاف وعدل، لا من خلال قوالب هجومية مُوجهة. النص قد صيغ بأسلوب ساخر، ولكنه يحمل في طياته سمًا ناعمًا من التحقير والاستخفاف بشأن الرجل ككائن عاطفي وشريك حياة. كل وصف تقريبًا ينتهي إلى فكرة أن الرجل إما عبء ثقيل، أو متخلف جاهل، أو مُستنزِف للطاقة، أو خطر محدق، أو غير ناضج. وكأن المرأة دائمًا هي الضحية المسكينة، والرجل دائمًا هو الجلاد المتسلط، مع أن الواقع أعقد وأكثر تركيبًا من ذلك بكثير. فلنقلب الطاولة رأسًا على عقب.. لو تم كتابة مقال بعنوان "أنواع الستات" وتم فيه حصر 13 نوعًا من السلبيات مثل المرأة الغيورة، المتصنعة، الكذابة، الأنانية، الناقدة اللاذعة، المتشائمة الكئيبة، الدرامية المبالغة، الخائنة، والدلوعة المائعة... إلخ.. لقامت الدنيا ولم تقعد ولأحدث ذلك ضجة كبيرة. المشكلة لا تكمن في السخرية بحد ذاتها، بل في التحامل المُفرط الذي روجت له الكاتبة على أنه وعي أو تحذير نسوي، في حين أنه يكرس مشاعر الرفض والكراهية والنزاع بين الجنسين بدلًا من تهيئة بيئة صحية يسودها التفاهم والنمو المتبادل. إن العلاقة بين الرجل والمرأة هي شراكة إنسانية سامية نبيلة، مهما كانت طبيعة هذه العلاقة، ولا مكان فيها للخصام السوقي أو الهجوم الساخر أو الحكم المطلق. الرجل ليس بحاجة إلى أن يكون "كاملًا" لا تشوبه شائبة، والمرأة ليست بحاجة إلى أن تكون "ضحية دائمة" تنتظر فارسًا مغوارًا يفهمها من النظرة الأولى. نحن بأمس الحاجة في حياتنا إلى الحكمة والتعقل والنضج العاطفي المتزن، وليس إلى تربية أجيال من الفتيات يعتقدن أن كل الرجال "طاقة سلبية مُدمرة"، أو أولاد يعتقدون أن المرأة شيطان رجيم. فلنوجه طاقاتنا الجبارة نحو احترام المرأة وتقديرها وإعلاء شأنها، وفي المقابل احترام الرجل وتقديره، وبناء علاقات متينة قائمة على الحوار البناء لا التحكم والتسلط، ورفض العلاقات المؤذية الضارة سواء صدرت من رجل أو امرأة. في زمن نحتاج فيه بشدة إلى ردم الهوة السحيقة بين الرجل والمرأة لبناء مجتمعات متوازنة ومستقرة، فإن مثل هذه الآراء، على الرغم من طرافتها الظاهرية، تساهم بشكل كبير في تعميق الانقسام والتخندق العاطفي بين الجنسين. ليس كل الرجال "أنواعًا سيئة"، كما أنه ليس كل النساء "ملائكة مضطهدات". نحن بشر من لحم ودم، فينا الصالح والطالح، الواعي والساذج، الناضج والطفل. فلنعِد النظر في الأمور بعين الوعي لا بعين السخرية، ولننشر الحب والوئام بدلًا من ترويج الكراهية والعداء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة